المــادة المضادة . .
[تقرير اكثر من رائع ومبهر]
لو افترضنا أنك قمت بمصافحة نفسك المضاد فهل تعلم انتما الاثنان ستختفيان وستنتج كمية هائلة من الطاقة . . !
ولكن هل سمعت سابقاً عن المادة المضادة؟
قد يكون هذا المصطلح مألوفاً لك بعض الشيء من قصص وأفلام الخيال العلمي، لكن ما هي حقيقة هذا اللغز الذي أثار خيال العلماء والروائيين في كل مكان حول العالم؟
وإذا كانت المادة تحيط بنا في كل شيء فأين ذهبت المادة المضادة؟
وهل يوجد حقاً كواكب ونجوم ومجرات في الكون تتكون من المادة المضادة؟
وماذا يمكن أن يحدث إذا التقت المادة بالمادة المضادة؟
سنجيب على كل هذه الأسئلة وغيرها من خلال هذا البحث التي سنستعرض فيها حقائق علمية عن المادة المضادة قامت قناة Discovery بنشرها ، حيث تمت بإعادة صياغتها بأبسط شكل ممكن لنستطيع استيعاب هذا الجزء المحير والمثير من كوننا. ولنبدأ بالحقيقة الأولى:
* نظرية أينشتاين بالعكس:
إن أحد أكبر الإنجازات العلمية لأينشتاين في تاريخ البشرية هو قانونه الشهير:
E=mC^2
حيث أثبت أن الطاقة تساوي الكتلة في مربع سرعة الضوء. والتي تعني ببساطة شديدة أن الكتلة (أنا وأنت وكل شيء حولنا) يمكن أن يتحول إلى طاقة والعكس. حتى جاء العام 1928 حين عدل العالم البريطاني باول ديراك نظرية أينشتاين ليقترح وجود البوزترون ، وهو عكس الإلكترون.
ولنستوعب ذلك لنتذكر معاً أن أي مادة تتكون من عدد كبير من الذرات، هذه الذرات تتكون بدورها من بروتونات موجبة الشحنة وإلكترونات سالبة الشحنة ونيوترونات متعادلة. وهي أحد الحقائق الأساسية التي تعلمناها جميعاً في مادة العلوم ، ولكن ما جاء به ديراك هو اثباته أنه يوجد إلكترونات موجبة الشحنة !!
وهذا يعني أن لكل جزيء معروف جزيء معاكس له يحمل شحنة معاكسة!
ثم وبمرور الأيام أثبت العالم الأمريكي كارل أندرسون وجود المادة المضادة في العام 1932 حين اكتشف البوزترون أثناء دراسته الأشعة الكونية.
ودعم هذا الإثبات في العام الذي يليه الفيزيائي البريطاني باتريك بلاكيت والإيطالي جوسابي أوكياليني.
* لغز اختفاء المادة المضادة:
إذاً فقد اتفقنا على أن لكل جزيء من المادة جزيء مضاد معاكس له في الشحنة. كما ثبت نظرياً وعملياً. ولكن..
نعرف جميعاً أننا محاطون بالمادة في كل شيء حولنا. فأين ذهبت المادة المضادة إذاً؟
وما يزيد الأمر غموضاً أن الفيزيائيين يقولون أن الانفجار الكبير الذي نشأ منه الكون أطلق كميات متساوية من المادة والمادة المضادة.
والحقيقة أنه لا يوجد إجابة واضحة لدى العلماء لهذا التساؤل، لكن توجد فرضية تقول أن المادة كانت أكثر بقليل من المادة المضادة، ولذا فنيت كل المادة المضادة مع الجزء الأكبر من المادة وبقي جزء صغير منها وهو الذي يتكون منه كوننا!!
لا تتخيلوا كم كانت دهشة العلماء في العام 1978 حين التقطت مجساتهم أشعة جاما ناجمة عن التقاء مادة بمادة مضادة قادمة من الفضاء!!!
حيث أظهرت الأشعة ذات الطاقة العالية وجود سحابة من المادة المضادة يبلغ عرضها 10,000 سنة ضوئية (أي ما يقارب الـ 3,000,000,000 كم !!!) وأين؟ في قلب المجرة!!
وظل العلماء لسنوات يبحثون عن حل لغز وجود هذه الكمية الكبيرة من المادة المضادة بعد أن ظن العلماء أنها اختفت عند نشأة الكون. وظللنا ننتظر إجابة لهذا اللغز حتى يناير من العام 2008 حين قام مرصد INTEGRAL وهو مرصد فلكي مختص بأشعة جاما تابع لوكالة الفضاء الأوروبية بإلقاء اللوم على الثقوب السوداء والنجوم النيوترونية. فحين يموت النجم (في حالات معينة) ليتحول إلى نجم نيوتروني أو ثقب أسود ينكمش على نفسه إلى الدرجة التي تسحق فيها مادته ويصبح ذو كثافة هائلة، لدرجة أنه لو تخيلنا أننا أخذنا مقدار ملعقة شاي من هذا النجم سيبلغ وزنها مليار طن!!!
ويتولد نتيجة هذه الظروف الخارقة مجال كثيف للغاية من الإشعاعات، ويعتقد العلماء في INTEGRAL أن هذه المجالات تتداخل فيما بينها بطريقة عشوائية لتولِّد الإلكترونات والبوزترونات.
لنُحطم بعض الذرات..
صحيح أن كارل أندرسون أثبت نظرياً وجود البوزترونات في العام 1932 ولكن كان علينا الانتظار حتى العام 1955 لنشاهد البروتون الذي يحمل شحنة سالبة (البروتون المضاد) !!
كيف ذلك؟ الطريقة الوحيدة التي أمل العلماء في مشاهدته بها هي من خلال صناعته في المعمل!!، والطريقة بسيطة.. للحصول على بروتون مضاد عليك الحصول على مسرع جزيئات قادر على إعطاء ستة ملايين إلكترون فولت!! وهو ما حدث في العام 1954 حين حصل مجموعة من الفيزيائيين على مسرع بإمكانه القيام بهذه المهمة وهو البيفاترون في معمل لورانس بيركلي الوطني في كاليفورنيا بالولايات المتحدة.
ومسرع الجزيئات ببساطة هو عبارة عن جهاز يقوم بتسريع جزيئات المادة لسرعة تقارب سرعة الضوء ثم يقوم بصدمها مع بعضها البعض لسحق المادة إلى أبسط مكوناتها، ثم تقوم أجهزة رصد فائقة برصد هذه الجسيمات التي تظهر لأجزاء من الثانية لتحليلها، وحينها سيظهر هذا البروتون المضاد لمدة واحد على عشرة ملايين من الثانية قبل أن يصطدم ببروتون ويختفي الاثنان!!!
لم يستطع العلماء بالطبع مشاهدة هذا البروتون المضاد في هذه اللحظات فائقة السرعة ولكن استطاعوا ملاحظة آثار اصطدام البروتون المضاد بالبروتون وهو ما أثبت فعلياً وجود هذا الجسيم.
الذرة المضادة
على الرغم من صعوبة تحطيم الذرات لإنتاج البروتونات المضادة كما شاهدنا في الجزء السابق، إلا أننا أمام مهمة أصعب بكثير هذه المرة حيث أراد العلماء أن يأخذوا خطوة للأمام بإنتاج ذرة مضادة!! ولكن كيف ذلك؟
لإنتاج ذرة مضادة لنبحث عن أصغر أنواع الذرات، وهي ذرة الهيدروجين التي تتكون من بروتون واحد وإلكترون واحد فقط. ولكن المشكلة أننا نتحدث عن مادة مضادة، أي أننا نريد إنتاج بروتون مضاد ثم إنتاج إلكترون مضاد ثم دمجهما معاً ليشكلوا ذرة المادة المضادة!!
صحيح أن العلماء استطاعوا إنتاج بروتون مضاد في العام 1955 ولكن كان علينا الانتظار أربعة عقود حتى نمتلك التكنولوجيا التي تمكننا من إنتاج ذرة كاملة مضادة، وهو ما استطاع علماء سيرن القيام به في العام 1995 من خلال إطلاق وتسريع بروتونات مضادة مع ذرات مادة الزينون لما يقارب سرعة الضوء، ويتصادف بين لحظة وأخرى أن يقترب البروتون المضاد من نواة ذرة الزينون فتكون النتيجة هي زوج من الإلكترون-بوزيترون، وحينها يتصادف أيضاً في بعض اللحظات أن يقترب البروتون المضاد مع البوزيترون الناتج ليشكلوا معاً ذرة هيدروجين مضادة!!
وعلى الرغم من أن التجربة مبنية على مجموعة احتمالات إلى أنها حدثت بالفعل حيث أثارت سيرن ضجة في كل وسائل الإعلام حول العالم في العام 1996 حين أعلنت إنتاج 9 ذرات مضادة، إلا أن هذه التجربة لن يمكن استخدامها في البحث والدراسة كما ينبغي. لماذا؟
لسببين بسيطين، الأول أن احتمال إنتاج ذرة هيدروجين من بروتون مضاد واحد هو احتمال واحد إلى 10000000000000000000 (واحد أمامه 19 صفر)!!!
وحتى بعد أن تنتج هذه الذرة المضادة ستظل موجودة لمدة واحد على 40 مليار من الثانية ومتحركة بسرعة تقترب من سرعة الضوء لتجتاز مسار طوله 10 أمتار قبل أن تصطدم بمادة عادية وتختفي!!!!!
مادة مضادة من الشمس!!!
بعد أن أمضى العلماء والباحثون عقوداً وعقوداً بين المسرعات والمعجلات الذرية لإنتاج المادة المضادة في المختبر بتكاليف وصلت لعدة مليارات، تفاجأ العلماء حين اكتشفوا أن ما نعتبره عملاً مذهلاً ومعقداً للغاية هو أمر عادي للغاية يحدث كل يوم أمام أعيننا دون أن نشعر به.. على سطح الشمس!!
حيث تقول ناسا أن الانفجارات المذهلة التي تحدث على سطح الشمس، والتي تعادل اتفجار مليار قنبلة نووية في لحظة واحدة هي طاقة كافية لسحق ذرات المادة!!
وفي العام 2002 وبينما كان العلماء يرصدون أحد تلك الانفجارات باستخدم سفينة فضائية تابعة لناسا تحمل اسم RHESSI اكتشفوا الظهور والاندثار المفاجئ لما يقارب نصف كيلوجرام من المادة المضادة!! وهي كمية كافية لتوليد طاقة تكفي العالم بأسره لعدة سنوات!! ولله في خلقه شؤون..
أن التقاء المادة بالمادة المضادة يطلق كمية هائلة من الطاقة لدرجة أن نصف كيلو جرام منها فقط يمكن أن يزود العالم كله بالطاقة لعدة سنوات!! بل ونذهب إلى أبعد من ذلك حسب ما أشارت مجلة Propulsion and Power حينما ذكرت أن مجرد واحد من مليون من الجرام من هذه المادة يكفي لتزويد مركبة فضائية لرحلتها إلى المريخ (تستغرق الرحلة عاماَ كاملاً) !!
ولذا فأحد الاستخدامات البديهية التي ستخطر على بالنا بالتأكيد، هو استخدامها كمصدر للطاقة، ولكن من أين يمكن أن نحصل على مادة مضادة لاستخدامها كمصدر للطاقة؟
من المختبر كما فعلت سيرن. أي أننا يمكن أن نقوم بإنشاء مصانع لإنتاج المادة المضادة. ولكن قبل أن نذهب بعيداً في هذا التخيل لنعرف حقيقة هامة جداً، وهي أن كل ما تتنتجه سيرن لمدة عام لن يكفي لتوفير مصدر للإضاءة إلا لثلاث ثواني فقط !! ولذا فهذه الفكرة أمامها الكثير لنتمكن من تنفيذها بالفعل.
ولكننا ذكرنا سابقاً أننا اكتشفنا وجود المادة المضادة بالفعل في قلب المجرة وفي الانفجارات الشمسية، لكننا كذلك لن نستطيع أن نجمعها من هذه الأماكن البعيدة! أم أننا نستطيع؟!!
تعتقد ناسا أنه يمكننا ذلك، ولذا تقوم بتمويل مشروعاً يقوم على وضع كرات ضخمة في مدارات حول الأرض لامتصاص الجسيمات القادمة من الشمس والناتجة عن التقاء المادة بالمادة المضادة، ثم إرسالها إلى الأرض!
استخدام المادة المضادة في العلاج:
غالباً ما تسيطر فكرة الطاقة على رؤيتنا لمستقبل المادة المضادة ويذهب كتاب الخيال العلمي لأبعد من ذلك بتخيلهم استخدامها كقنابل هائلة تبيد قارات وكواكب كاملة، ولكننا نتناسى بذلك استخداماً هاماً جداً لهذه المادة وهو استخدامها في الطب!!
فبنفس فكرة أشعة إكس، يمكن تخيل حقن المريض بمادة نشطة إشعاعياً تطلق البوزيترونات لتصطدم بإلكترونات فينتج عنها أشعة جاما التي يمكن التقاطها بكاميرات خاصة لمشاهدة ما يحدث داخل جسم المريض بدقة!
قد تظنون أن كل هذه الأفكار مجرد أحلام في عقول بعض العلماء وكتاب الخيال العلمي، ولكن لنا أن نتساءل..
ألم يكن الطيران مجرد حلم لبعض الأشخاص، وتحول اليوم إلى أحد أساسيات حياة البشر؟
ألم يكن الاستنساخ مجرد فكرة في عقول بعض الروائيين وتحول اليوم إلى حقيقة علمية اعتيادية؟
ألم يكن الصعود للقمر مجرد حلم للإنسان وتحول الآن إلى إنجاز سابق؟
اشترك في بريدنا الالكتروني لتتوصل باشعار فور نشر موضوع جديد
0 الرد على "المــادة المضادة . . "
إرسال تعليق